السيسي.. الخبير في قفص الاتهام
الخرطوم : عين السودان
في السابع والعشرين من يوليو عام 2015 سألت رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، الدكتور التجاني سيسي، عن اتهامات الفساد التي توجه ناحيتهم، جاء رده سريعاً حينما طالب من يتهم السلطة بتقديم الأدلة والبراهين التي تعضد مزاعمه، بدلاً من إطلاق الشائعات التي لا تستند على حقائق.
لتنصرم خمسة أعوام على مطالبته بتقديم المستندات التي تثبت حدوث فساد في السلطة التي كان يجلس على رأسها منذ اتفاقية سلام الدوحة في العام 2011، وفي الخامس من أغسطس الحالي عادت ذات الاتهامات الى المشهد بصورة مفاجئة غير أنها جاءت مصحوبة بمستندات تؤكد حدوث فساد، وذلك حينما ألقت نيابة الثراء الحرام والمشبوه القبض على رئيس حزب التحرير والعدالة القومي رئيس السلطة الإقليمية لدارفور السابق وأودعته حراساتها بالعمارات الخرطوم، على خلفية تحريات تجريها النيابة حول التصرف في أصول السلطة الاقليمية لدارفور التي تم حلها في العام 2016.
وكان الموظف السابق بالسلطة الاقليمية لدارفور والرئيس الحالي للجنة محاربة الفساد واسترداد الأموال بالسلطة الإقليمية، أبوبكر ادريس محمد إدريس، قد كشف عن سرقة سيارات السلطة الاقليمية البالغة 146 سيارة، وأوضح حدوث التعدي على أصول السلطة التي تقدر بـ44 مليار و900 ألف جنيه)، ونوه الى أنه تم تكوين لجنة بقرار جمهوري في عهد النظام البائد لحصر اصول السلطة الاقليمية لدارفور، الثابتة والمتحركة، واستدرك قائلاً:» لكن تم التصرف في الاصول من قبل تلك اللجنة» ، ولفت الى امتلاك 11 وزارة من وزارات السلطة أصولاً مقدرة، بجانب ست مفوضيات، وكشف أبوبكر عن تمليك 30 عربة لوزراء السلطة والأمناء العامين بها بطريقة غير قانونية، بعضهم دفع 35 الف جنيه بينما دفع آخرون 40 الف جنيه والبعض الآخر تم اعفاؤه من الدفع.
وبعد أن تحولت الاتهامات الى واقع فقد حظي توقيف الدكتور سيسي باهتمام كبير من واقع مكانة الرجل العلمية، السياسية والاجتماعية، فهو من الشخصيات التي تحوز على احترام كبير من واقع اسهاماته منذ أن كان مسؤولاً رفيعاً باقليم دارفور في ثمانينات القرن الماضي، والسيسي المولود في العام 1955 في مدينة زالنجي وسط دارفور، من الشخصيات التي ظلت حاضرة في المشهد لأكثر من أربعة عقود، حيث عرف طريقه إلى العمل العام عقب نيليه درجتي الماجستير والدكتوراه في إدارة الأعمال بالمملكة المتحدة في العام 1984، وخلفيته الاجتماعية والأكاديمية والسياسية كانت سبباً لتوليه عديد المناصب منها وزير المالية والتخطيط الاقتصادي في دارفور بين 1987 و1988، ثم محاضراً في جامعة الخرطوم بين 1990 و1992، وهو باحث في حركة التنمية عبر العالم بين 1998و1999 ومحاضراً، كما عمل مستشاراً بالبنك الدولي عام 2004، وشغل منصب مستشار إقليمي لدى الأمم المتحدة عام 2005، وهو كذلك عضو بمنظمة التنمية العالمية نيباد.
والتجاني سيسي الذي ظل حتى توقيفه من قبل الشرطة من دعاة المصالحة منذ الحادي عشر من أبريل العام الماضي تاريخ سقوط نظام الانقاذ كان قيادياً بارزاً في حزب الأمة القومي.
وما يحسب له خلال العقدين الأخيرين سعيه الذي بدأ في العام 2004 لجمع شتات الحركات الدارفورية المسلحة التي ناصبت نظام الإنقاذ المباد العداء بسبب مظالم تاريخية، وأسهم في توحيد مجموعة من فصائل دارفور المسلحة في أديس أبابا وطرابلس ليُختار رئيساً لها تحت مسمى حركة التحرير والعدالة التي وقعت في العام 2011 اتفاقاً للسلام مع الحكومة السودانية في الدوحة برعاية قطرية.
وتولى الرجل بعد ذلك منصب رئيس السلطة الإقليمية لدارفور الأداة الرئيسة لتنفيذ اتفاق الدوحة للسلام بالتعاون مع الحكومة، بجانب تعيينه كبير مساعدي رئيس الجمهورية، الى أن انتهى أجل الاتفافية فى العام 2016، ثم أنشأ حزب التحرير والعدالة القومي وظل عضواً برلمانياً حتى سقوط نظام الإنقاذ.
وأثار اعتقاله ردود أفعال متباينة ورغم التعاطف الذي وجده غير أن البعض رأى أن توقيفه جاء بسبب أموال عامة وان هذا يعزز من أحد شعارات الثورة وهو العدالة، ويلفت مراقبون الى انه بريء حتى تثبت إدانته، وكان البعض قد جمع بين توقيفه ومشاركته في دعوة الحتانة، غير أن مصدراً يؤكد بأن الإجراءات بدأت منذ فترة طويلة واكتملت أخيراً وأنه لا علاقة لها بما حدث في الحي الامدرماني اخيراً حينما هاجم ثوار لقاءً بمنزل صحفي إسلامي كان السيسي احد ضيوفه.
يقول المحلل السياسي الحسين إسماعيل ابوجنة في حديث لـ(الانتباهة) عن توقيف الدكتور السيسي: تفيد خلفية الدكتور سيسي بأنه أكاديمي متميز، احترف السياسة بمدخل اجتماعي كونه بن الدمنقاوي سيسي أتيم القائد الاهلي المعروف، المتميز في مجتمع قبيلة الفور واسعة الانتشار عميقة الجذور في تاريخ السودان، وينوه ابوجنة الى أن هذه الخلفية تركت بصمتها الأخلاقية على سلوكيات الرجل الذي يتمتع بأخلاق سودانية ناصعة البياض تضعه في خانة التميز من حيث التواضع والمصداقية من حيث السلوك الشخصي على أقل تقدير، واضاف:اما من ناحية السلوك العام فلا بد للسياسة من لمسات لزوم مواكبة الايقاع السياسي الموسوم بالانتهازية وحب الذات في اطار فقه المصالح السياسية وتلكم هي قاعدة معروفة في عالم ساس يسوس…
ويلفت ابوجنة الى أن مشاركة الدكتور في السلطة الاقليمية بصفته رئيساً لحزب العدالة جعلته تحت منصة النقد من خلال فئة كانت غير راضية عن اداء السلطة الاقليمية فيما يلي تنمية واعادة اعمار دارفور حسب البرنامج الموضوع ومخطط له بعناية، وبالتالي نشأ تشكيك ممنهج في أداء حكومة سيسي ومجلسه التشريعي، وصل حد اتهام سلطته بالتبديد والافراط بشأن الانفاق الجاري، وكلها كانت اتهامات سياسية من خصوم لم تصل مرحلة اليقين والمحاسبة.
ويقول انها بقيت كذلك في خانة المزايدات حتى انقضاء اجل السلطة وتذويبها تدريجياً في منظومة الدولة من خلال لجان تسليم وتسلم تم تكوينها بقرار آنذاك، واضاف: بعد زوال حكومة البشير تصاعدت أبخرة كانت تشير الى صفقات فساد تمت في عمليات تصفية مؤسسة السلطة الاقليمية من خلال التصرف في الاصول المملوكة لها واعادة توزيعها وتمليكها بأسس ومعايير تفتقر الى الموضوعية المهنية والضوابط المعمول بها، هذه الاتهامات استقرت في خانة الاتهام الصريح ولكن بلغة التسريبات غير المعلنة من قبل حكومة التغيير التي بدأت حملات واسعة ضد فساد تم ابان عهد النظام السابق.
ويعتبر الحسين إسماعيل ابوجنة أن ظهور سيسي على واجهة الاحداث بعد الثورة من خلال تصريحات خافتة تم تفسيرها في خانة الحنين الى الماضي جلبت اليه سخط مكونات حكومة التغيير، فبدأت تبحث عن ماضي اداء حكومته الاقليمية، ويبدو ان ظهوره الاخير في بيت عنقرة كان بمثابة اشعال عود الثقاب على كومة القش، فبدأت خطوات عملية في فتح ملفاته في اطار حملة محاسبة قائمة رموز النظام السابق ومنهم دكتور سيسي الذي كان جزءاً منها في الماضي القريب حسب تصنيفات الشارع السياسي في السودان، واردف:عطفاً على ما سبق سوف تأخذ قضية اعتقال دكتور سيسي بعداً سياسياً اعلامياً اكثر منه جنائياً لسبب مهم يتمثل في ان التهمة الموجهة اليه تنقصها الادلة والشواهد على ضوء تقرير لجنة التسليم والتسلم الذي شاركت فيه عدة جهات، رغم ان وجود هذه اللجنة لن ينفي حقيقة أن هناك جهات أخرى ما زالت مختفية قد استفادت كثيراً من مخلفات واصول السلطة الإقليمية.
صحيفة الانتباهة