يوسف السندي : حمدوك ومطب الولاة

الخرطوم : عين السودان

أسدل رئيس الوزراء بالأمس الستار على ماراثون طويل ظل يشغل الساحة السياسية وهو ماراثون تعيين الولاة المدنيين، رغم الفترة الطويلة التي انتظرها الجميع لإعلان الولاة لا يبدو انها كانت كافية لإخراج الأمر في ثوب متفق عليه من قبل القوى الحية والفاعلة في الساحة، إذ تم رفض طريقة اختيار الولاة الجدد من قبل حزب الأمة القومي، كما رفضها مني اركو مناوي، بينما أعلنت سكرتارية تجمع المهنيين تحفظاتها على هذه التعيينات .

لا يختلف احد مع حقيقة أن تعيين الولاة هو استحقاق دستوري وثوري ظلت الولايات في انتظاره لوقت طويل من أجل محاربة السيطرة شبه الكاملة للكيزان على مفاصل مؤسسات الحكم الولائي والمحلي، ولكن اختيار الوالي بطريقة غير سليمة قد يجعل كل هذا الانتظار بلا فائدة ويفجر الولاية برفض الوالي الجديد مما يدخل الولاية في أزمة جديدة هي في غنى عنها، لذلك هل كان الرافضون على حق؟ لنقرأ مأخذهم.

حزب الأمة القومي رفض الطريقة التي تم بها اختيار الولاة باعتبار انها جاءت ضد مطالبه الواضحة والموضوعية التي طالب بوضعها قبل تعيين الولاة وعلى رأسها اجازة التشريع الذي يحتوي قانون الحكم الولائي حتى يعرف الولاة حدودهم القانونية، وهذا مطلب مهم جداً، فالوثيقة الدستورية لم تفصل في شؤون الحكم الولائي والحكم المحلي ولا أشارت إلى الهياكل التي يجب أن يحتويها حكم الولايات والمحليات ولا يعرف أحد ماهي صلاحيات الوالي ووزراء الولايات وماهي صلاحيات المحليات وغيره، والولاة العسكريون ظلوا طيلة فترتهم السابقة يعملون بلا قانون واضح، ومعلوم أن الوثيقة الدستورية أبطلت استخدام تشريعات دستور 2005م.

حزب الأمة القومي ايضا نبه إلى أن هناك ولايات مأزومة وتعاني من انقسامات إثنية واستقطاب مما يتطلب ان يتمتع الوالي بدرجة عالية من الإجماع عليه من جماهير الولاية، وهو مطلب موضوعي ايضاً، لجهة ان زيادة الانقسام في المجتمعات المحلية المأزومة قد يضر بالوحدة الوطنية وينسف جهود السلام.

خروج حزب الأمة من دعم الولاة يمثل ضربة قوية جدا لحكومة حمدوك، وقد يؤدي إلى انسحاب بعض الولاة من عضوية حزب الأمة من قائمة الولاة، وهو خروج مشابه لتجميد الحزب لعضويته في قوى الحرية والتغيير نتيجة مطالب موضوعية ايضا على رأسها هيكلة تحالف الحرية والتغيير وتحويله من تحالف مترهل، غير مفهوم كيف تتخذ فيه القرارات، وغير منضبط، إلى جبهة عريضة منضبطة بقانون وذات قيادة مسئولة يمكن محاسبتها ومراقبتها وفق اليات داخلية حازمة، وهي مطالب يتفق فيها مع حزب الأمة معظم أحزاب وكيانات الحرية والتغيير ومع ذلك من الغرابة ان التحرك نحو معالجة هذا الخلل ظل بطيئا لدرجة الشلل، مما جعل المؤتمر التداولي المزمع انعقاده لإصلاح الحرية والتغيير يتأخر ويتأخر ولا يعلم احد متى سيعقد!.

تجمع المهنيين (السكرتارية الجديدة) أعلن تحفظات ثلاثة على تعيين الولاة هي تفشي المحاصصات الحزبية وتجاوز رأي ثوار الولايات وضعف العنصر النسوي، التحفظات موضوعية، ولكنها ايضا حملت بداخلها (زعل) هذا التجمع من اختيار محمد حسن عربي عضو احد الاجسام الستة الرافضة للاختطاف الانتخابي للتجمع واليا على شمال دارفور، هذا التجمع ومكوناته وعناصره سعوا للحيلولة دون مجيء عربي واليا ويبدو انهم خسروا هذه المعركة ولكنهم بلا شك دخلوا بهذا البيان في معركة ما بعد التعيين معركة التحفظ ومن بعدها سيدخلون بلا شك معركة دعم كيانات ولائية في مسعاها لاقالة والي او اكثر، مما يزيد المطبات في الفترة الانتقالية.

مني اركو مناوي موقفه ظل كما هو رافضا لتعيين الولاة قبل توقيع اتفاق السلام، وهو الموقف الذي تجاوزته الجبهة الثورية وسمحت بالتعيين المؤقت للولاة، ولكن موقف مناوي يظل ايضا مطب سيتم ذكره باستمرار في الفترة القادمة من عمر السلام وقد يكون أحد أسباب مواقف لاحقة لمناوي او غيره من قادة حركات الكفاح المسلح من عملية السلام .

يبدو أن الفترة الانتقالية لا تخرج من مطب الا لتقع مجددا في مطب جديد، وتبدو سفينتها سائرة بلا هدى ولا بوصلة محكمة في خضم بحر سياسي واقتصادي هائج ومتلاطم الأمواج، يحتاج إلى قيادة حكيمة وحازمة وعالمة بمطبات السياسة ومناخ هذا البحر المتلاطم، فهل يواصل حمدوك القيادة بجدارة ام وصلت قدراته لمرحلة لم يعد بإمكانه أن يقدم أكثر منها بعد ذلك؟!.

صحيفة باج نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 − اثنا عشر =