دخول قوات العدل والمساواة العاصمة الوطنية مغامرة كلّفت الحركة.. أم انتصار

الخرطوم : عين السودان

اثنا عشر عاما مرت على المغامرة الحربية التي نفذتها قوات حركة العدل والمساواة بقيادة الراحل خليل إبراهيم في مايو من العام 2008، في عملية عرفت إعلامياً باسم الذراع الطويل ، ففي منتصف نهار العاشر من مايو كانت قوات الحركة المسلحة تجوب شوارع وأزقة أم درمان وسياراتها وعتادها الحربي يتخذ من شوارع العاصمة الوطنية مسرحاً وميداناً للحرب؛ بعد أن قررت قيادة الحركة نقلها من أطراف دارفور الى قلب العاصمة، ولكن لم تمض سوى ساعات على تلك المغامرة التي انتهت بتصدي قوات الشعب المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى للعملية وإنهاء حالة اللا أمن التي عاشتها العاصمة في ذلك اليوم .

قطعاً فإن العاشر من مايو عام 2008 م لم يكن يوماً كسائرالأيام، ففي الوقت الذي كان يمارس فيه المواطنون حياتهم بصورة طبيعية، كانت قوات من حركة العدل والمساواة بقيادة الراحل “د.خليل إبراهيم” تقف على مشارف مدينة امدرمان استعداداً لغزوها، ومن ثم الوصول لقلب (الخرطوم) عقب مسيرة أيام متواصلة ومضنية.

فقد كانت ام درمان على موعد مع أحداث لم تشهد مثيلاً لها من قبل بعد أن تحولت الى مسرح للحرب دارت رحاها بين قوات الجيش السوداني وأفراد حركة العدل والمساواة وانتهت بانتصار الجيش وتكبيد العدو خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد وأسر عدد كبير من جنود الحركة، ولازالت الذكريات تتداعى لدى الكثيرين ممن عايشوا تلك اللحظات العصيبة التي روعت المواطنين الآمنين، ويستغرب كثيرون فشل الحكومة وقتها في السماح للقوات بالوصول واشتعال المعركة وسط المدنيين.

ووفقاً لمصادر فإن الإعداد للهجوم على أم درمان تم في أعقاب التقاء الرئيس التشادي “إدريس ديبي” بقيادة حركة العدل والمساواة لمساعدته في دحر هجوم المعارضة التشادية عليه، وفي اعتقاده أن الحكومة السودانية هي وراء ذلك فأراد أن يرد لها الصاع، وذلك من خلال إلحاق مجموعة كبيرة من أفراد الحركة بسلاح المدرعات التشادي – بحسب مصادر عديدة أكدت ذلك الامر – حتى يتلقوا تدريبات متقدمة في البيادة وأنواع مختلفة من الأسلحة والصواريخ والمدافع، ثم قدمت دعماً شمل عدداً كبيراً من أسلحة القرنوف والآربجي بجانب سيارات لاندكروزر وأخرى محملة بالأسلحة الخفيفة والمدفع 3اس بي ومضادة للطيران عيار 14.5 ودعم مالي قدره مليون يورو.

وفي أعقاب تلقي الحركة لهذا الدعم التأم اجتماع بين أعضاء الحركة برئاسة د.”خليل إبراهيم” لطرح فكرة الغزو، وعلى الرغم من اعتراض بعض أعضاء الحركة على فكرة دخول أم درمام إلا أنهم لم يجنوا سوى تجاهل اعتراضهم ذلك، وفي تصريحات سابقة لنائب د.”خليل” السيد “محمد بحر محمدين” لفت إلى اختلافهم مع دكتور “خليل” في الكيفية للدخول لأم درمان التي اعتبرها أحد عوامل الفشل، مشيراً إلى أنهم وعقب خروجهم من تشاد قاموا بعقد اجتماع لوضع خطة للنظر في الكيفية التي تمكنهم من الوصول لأم درمان وتنفيذ مخططاتهم، إلا أن اختلاف الآراء جعلهم ينقسمون إلى فريقين الأول يرى الخروج مباشرة عبر شمال دارفور والوصول للهدف، بينما يرى الفريق الآخر أن الأفضلية تكمن في التحرك من ولاية كردفان وتحريك القوة الموجودة بها، تفادياً للخطأ التكتيكي الذي وقعت فيه قوات المرتزقة في عام 1976، إلا أن د.”خليل” كان يرى الرأي الثاني أشبه بالمحاولة الانقلابية، وتم حسم القرار بالسير عبر الطريق الصحراوي الذي أصبح سبباً رئيساً في عدم نجاح المعركة، وفقاً لتصريحاته السابقة.

لم يكن الوصول إلى مدينة أم درمان بالأمر اليسير، فقد كان الطابور الخامس للحركة ب(الخرطوم) يمدها بحركات الجيش والأمن، واستطاعت الوصول إلى وادي المقدم، وقد قامت باختطاف اثنين من المدنيين وأرغمتهما على إرشادهم لطريق شريان الشمال، وعقب وصولهم إليه تم إبلاغهم بخلو أم درمان الغربية من أي قوات، وفي غضون ساعات كانت قوات حركة العدل والمساواة على مشارف أم درمان إيذاناً ببدء تنفيذ مخططها، وعبر مناورات تمت بين قوات من الجيش والحركة لم تتمكن القوات المسلحة من القضاء عليهم نسبة لتنكرهم في شكل خيام وقرى بالنهار والتحرك ليلاً. استطاع المتمردون الالتفاف حول مدينة أم درمان نسبة للسيارات السريعة وتمكنوا من الدخول إليها عبر مجموعتين (شمالية جنوبية)، ولكن نسبة لعدم المعرفة الجيدة بأم درمان، وكذا الجَهد والإعياء لقوات العدل والمساواة، فقد استطاعت القوات المسلحة من حسم المعركة لصالحها.

وصول حركة العدل والمساواة الى ام درمان شكل واحداً من أهم التساؤلات التي كانت ولم تزل ترددها الألسن كلما حلت الذكرى أو استدعى ما يدعو للحديث عنها، والحكومة ظلت دائمة الحديث عن أن ما حدث ظهيرة العاشر من مايو لم يكن سوى مخطط للإيقاع بالحركة عبر تملكهم معلومات مسبقة بقدومها، إلا أن عدم دقة التقديرات بحسب اللواء “حسن صالح” قائد سلاح المهندسين وقتها هي التي مكنت العدل والمساواة من تحقيق ما حققته، على أنها- أي الحركة – استطاعت تحقيق أهدافها السياسية عبر وصولها لما وصلت إليه داخل الخرطوم، إلا أنها انتحرت عسكرياً.

بالمقابل يشكك البعض في حقيقة علم الحكومة بقدوم قوات حركة العدل والمساواة، ويعتبرون وصول تلك القوات دليلاً واضحاً على ضعف الحكومة وفشلها في إفشال مخططات أعدائها؛ فضلاً عن فضح العملية لقصور الرؤى وسط المنظومة الأمنية وبطئها في التعامل مع الأحداث التي كادت أن تنتقل الى الخرطوم؛ لولا عدم خبرة ودراية الجنود بالمداخل والمخارج وطرق العاصمة؛ وهو ما جعل معركة كوبري الإنقاذ حاسمة لردع القوات التي دخلت ام ردمان عبر عدة طرق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − 14 =