بعد عام على توقيعها.. الوثيقة الدستورية.. فرحة وحسرة

الخرطوم : عين السودان

في مثل هذا اليوم من العام المنصرم تعلقت افئدة وانظار السودانيين بقاعة الصداقة عند مقرن النيلين بالعاصمة الخرطوم التي شهدت احتفال توقيع الوثيقة الدستورية بين المكون العسكري وقوى اعلان الحرية والتغيير، ويومها صدح الفنان الراحل صلاح بن البادية وسط حضور دولي بعدد من روائعة ومنها (ما عشقتك لجمالك) التي استعار فيها لسان الشعب الفرح وقتها وهي يردد (الفؤاد دائماً بينادي في اغترابي وفي بعادي)، وبعد مرور عام فإن تلك الفرحة التي كانت مرسومة على الوجوه تراجعت وفي رواية اخرى تبددت، ومازال صدي ما صدح به الراحل ابن البادية يتردد، لأن البعض يعتقد ان الثورة مازالت في الفؤاد ولكن بعيدة عن تحقيق الآمال والطموحات نتيجة لحصاد عام لم يشهد الواقع فيه تغييراً يتسق مع الطموحات التي لامست وقتها عنان السماء.
مرور مياه تحت الجسر
وبعد مرور عام على توقيع الوثيقة تغير الحال وبدأ الاستياء يرتسم على وجوه الكثيرين، كما تعددت ردود الفعل من الفاعلين السياسيين وبعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وقوى الثورة والمراقبين ولجان المقاومة التي تنظم لمليونية بدلاً من الاحتفال بمرور عام وتأتي للتصعيد ومطالبات بتصحيح مسار الثورة، والمشهد المتفق عليه ان جميع اصحاب المصلحة والفاعلين في الوثيقه عبروا عن عدم رضائهم وامتعاضهم ونقدهم لعدم تطبيق وانفاذ الوثيقة على النحو الاتم، ويقول مراقبون استنطقتهم (الإنتباهة) ان الدعوة التي ستشهدها شوارع الخرطوم اليوم التي نادت بها تنسيقيات لجان المقاومة بولاية الخرطوم الى عمليات التصعيد المفتوح من اجل تصحيح مجال الثورة واعلاء رايتها من جديد، ما هي الا تعبير عن حالة عدم الرضاء والنقد تجاه انفاذ الوثيقة.
ثلاث زوايا
التباين حول الوثيقة الدستورية عبر عنه الوسيط الافريقي محمد الحسن لبات في كتابه الذي صدر اخيراً (الطرق الى المصالحة) الذي اكد على ان الوثيقة الدستورية جاءت نتيجة تنازلات ومساومات بين الطرفين لانشاء تحالف بين الجانب المدني والعسكري لانفاذ الفترة الانتقالية، لكن عبر عن انشغالات ربما تضعف او تجهض الفترة الانتقالية اذا لم يتم الانتباه، كما ذكر لبات انه لا بد من احترام وتقوية المنظومة الامنية لأنها تمثل قاعدة الارتباط والارتكاز للحفاظ على الأمن القومي السوداني، والامر الآخر ان التنوع الايديولوجي داخل قوى الحرية والتغيير ربما يكون عامل ضعف اكثر من عامل قوى نسبة للخلافات الحادة وان كل طرف يريد ان يستأثر بقدر اكبر من المناصب والسلطة والامر الآخر قضية السلام، وان الحركات المسلحة رفعت السقوفات ومطالبها الخاصة، وان هناك قطاعات لم تنضم بعد.
تصعيد جديد
ما يكشف عن عدم الرضاء من تنفيذ الوثيقة الدستورية عبرت عنه ايضاً لجان المقاومة بتسييرها اكثر من مليونية منها واحدة اليوم، هدفها تحقيق مطالب الثورة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من بنود الوثيقة الدستورية، واكدوا خلال بيان امس على انحراف شركاء الحكم عن مسار الثورة واستكمال اهدافها، واشاروا الى ان ملف السلام مازال قابعاً بين براثن العسكر ومجلس السيادة، وسط نوع من اللامبالاة في تجاوز بنود الوثيقة الدستورية للملف الذي تم وصفه بالحساس والبالغ الاهمية، وطالب البيان رئيس الوزراء بتكوين مفوضية السلام فوراً كما نصت الوثيقة وتوليها تحت رعاية مباشرة من مجلس الوزراء، والحل الفوري لما يعرف بالمجلس الاعلى للسلام غير الدستوري، واكد بيان لجان المقاومة ان الحكومة تنتهج نفس سياسات النظام البائد الاقتصادية برفع الدعم وتخفيض قيمة الجنية، وطالب البيان ايضاً رئيس الوزراء ووزارة المالية بالشروع فوراً في ايلولة الشركات الاقتصادية على اسس قومية في فترة زمنية لا تتعدى اسبوعاً.
إعادة هيكلة
وطالب البيان باعادة هيكلة الحرية والتغيير فوراً، وانتقد عدم التحرك في اتجاه تكوين المجلس التشريعي مع استمرار مجلسي السيادة والوزراء في تمرير القوانين المذلة والمقيدة للحريات كقانون المعلوماتية وأيضاً مشروع قانون الحكم اللامركزي والعلاقة بين أجهزته 2020م، والذي تتم محاولة اقحامه داخل الاجتماع المشترك لإجازته على الرغم من كارثيته، وأيضاً تعديل الموازنة العامة على أهوائهم على حساب مصالح الشعب، مما يؤكد حرص بعض الجهات على تغييب المجلس التشريعي إسكاتاً لصوت الشعب ومصادرة حقه في اتخاذ القرارات المصيرية وذات التأثير المباشر في جماهير الشعب السوداني.
الشيوعي يتمسك
وفي ذات الاثناء اكد القيادي في الحزب الشيوعي عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير صديق يوسف، تمسكهم بموقفهم الرافض لبنود الوثيقة الدستورية منذ بداية التفاوض حولها، وقال صديق لـ (الانتباهة) امس: (كنا نريد نظاماً برلمانياً، ولكن الوثيقة اعطت المجلس السيادي سلطات منها تعيين وزيري الدفاع والداخلية وتعيين رئيس واعضاء ثلاث مفوضيات اساسية السلام والانتخابات والدستور، بجانب اعطائهم حق الاشراف على الجيش بصورة كاملة والاجهزة الامنية بصورة عامة بالتشاور مع مجلس الوزراء)، واضاف قائلاً: (ثلاث وظائف اعطتها لهم الوثيقة واصبح النظام غير برلماني)، وشدد على انه عيب في الوثيقة، وزاد قائلاً: (قلناه منذ اول يوم ونحن كحزب قاطعنا جلسة التفاوض التي مرر فيها هذا الكلام ورفضنا حضوره، وهذا رأينا ومازال هو رأينا).
وتابع القيادي بالحزب الشيوعي حديثه بانتقاد اداء الحكومة وقال: (نحن نعترض على الكثير في ادائها منه التأخير في تعيين الولاة المدنيين وعدم تشكيل المجلس التشريعي)، ووصف الميزانية المعدلة والسياسات الاقتصادية بالبطالة، بجانب السياسات الخارجية، اضافة الى اخطاء حدثت من هذا النظام، وطالب بتحقيق اهداف الثورة وقال: (نضالنا من اجلها وموجودة في وثائقنا المختلة الموقعة بين كل القوى المختلفة(.
الأمة يحذِّر
اما القيادي في حزب الامة القومي برمة ناصر رغم تأكيده على ان الوثيقة الدستورية مازالت هي الحكم بين كل اهل السودان وتجد التقدير والاحترام، لكنه انتقد البطء في تنفيذ بنودها بصورة عاجلة وعادلة، وقال: (ان هذا جعل انه لا جديد يظهر للمواطن السوداني)، مشيراً الى ان هناك بطئاً في تنفيذ المهام الاساسية في الفترة الانتقالية بدءاً بمؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة التشريعية والولاء بجانب تحقيق السلام.
وقال برمة لان الشعب السوداني كان يتطلع لتحقيق السلام لانه بدونه لن يتحقق اي نوع من الاستقرار وانه مازال يراوح محله، وحمل والمسؤولية الاساسية لمجلس الوزراء، لكنه اشار في نفس الوقت الى ان هناك عتاباً لحملة السلاح، وشدد على انهم السبب في التأخير رغم انهم شركاء في الانتفاضة وفي العملية الثورية، وقال ان السلام ليس مناورة وهو حق الشعب السوداني.
واوضح ان عملية تفكيك النظام البائد تمضي ببطء، وقال انه مازال موجوداً في كل مرافق الدولة، واشار الى ان اهم الاولويات تأمين الثورة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً واعلامياً قبل الذهاب وراء الفساد، ولفت الى ان الاضطراب السياسي والامني سببه النظام البائد.
مسؤولية واضحة
واكد ان معاش الناس مسؤولية النظام التنفيذي، وقال انه يمضي بصورة متدهورة، واتهم الجهاز التنفيذي بالتلكؤ في تنفيذ المهام، وطالب بالتنفيذ العاجل لكل المهام واعادة النظر في التركيبة وكل الآليات من الحاضنة السياسية والجهاز التنفيذي والسيادي وكل مؤسسات الدولة التي يجب ان تتصدى لكل قضايا الوطن، منبهاً الى مرور عام كامل دون تنفيذ المهام، وطالبهم بتحمل مسؤولية ذلك بكل شجاعة، وقال ان الامور لا تمضي على ما يرام، مشيراً الى وجود اخفاق، واضاف ان الفترة الانتقالية مهددة بالانهيار، ودعا الى تلافي كل هذه الاخفاقات قبل وقوع الفأس على الرأس لحماية الوطن من الانزلاقات.
أكثر من رأي
القيادي في الحزب الجمهوري وعضو المجلس المركزي للحرية والتغيير حيدر الصافي قال : (ان الوثيقة الدستورية منذ التوافق عليها هي لتحقيق ما هو ممكن، والمرحلة الانتقالية يرجى منها ما يمكن ان يكون، وان تكون منفحته على المرحلة الانتخابية، والهشاشة الموجودة آنذاك بين المكون العسكري والحرية والتغيير كانت واضحة لأنهم كانوا جسمين غير متكافئين، جسم يستند الى الدعم الشعبي ويعبر عن الرغبة الشعبوية وجسم يستند الى السلطة الحقيقية وسلطة المال والسلاح والتجربة)، واشار الى ان هناك مستجدات بعضها مقبول وبعضها غير مبرر، ولكن الجميع يعلم الفرق بين النظرية والتطبيق لانها تكتب بشكل نظري وفي التطبيق تصطدم برغبات البعض ومصالحهم السياسية والدولية، وهذا مربوط بالبطء في الاداء، لأن الحكومة وجدت تحديات من الداخل والخارج، ووجدت واقعاً متهالكاً اقتصادياً واجتماعياً، والسير نحو الديمقراطية وهو المهم، فهي تمشي على رجلين اي تمشي على الخطأ والصواب، والنقد الايجابي واقتراح الحلول الممكنة يمكن ان يكون داعماً لحكومة المرحلة.
تجاوزات واختراقات
وقال الصافي: (حدثت اختراقات في بنود الوثيقة مثل تكوين مجلس السلام، وهذا لا يوجد له مبرر طالما هناك مفوضية، وحدث التزام بتعليق الولاء والمجلس التشريعي بشكل لم تتوافق عليه الحرية والتغيير من الاول. وفي مقابل شراء السلام الناس غضت البصر عن الاشياء غير الاساسية في الوثيقة اذا عبرت بالناس الى مرحلة تجعل تحقيق السلام لحد كبير ممكناً مع مكونات التفاوض، وبهذا تكون انجزت الانجاز المناسب، لكن التحدي الاقتصادي وتحديات الشارع والصراعات في الاطراف محتاجة لارادة ووحدة وتضحيات، لأن الوثيقة لا تخدمه، والوثيقة هي صيغة قانونية والقانون لا يحدث تغييراً في الواقع لكن يدعو لتغيير الواقع، ولكن التغيير ينبني على محور الانسان نفسه، وفي حالة تبني القوانين يأتي البطء، نعم هناك بطء في القرارات وفي الاداء، وفي بعض الوزارات كان ضعيفاً، وهناك اختراقات للوثيقة خاصة في ما يعني مجلس السلام، وهناك بطء في عملية السلام لكنها يمكن ان تطور التجربة الديمقراطية، والديمقراطية ممارسة مجتمعية معقدة لا بد ان نصبر عليها، وان نجدد ارادتنا ورغبتنا في استيلادها من رحم المعاناة والحراك الصعب المستمر، ومجرد ذهاب النظام الماضي هذه خطوة كبيرة، ومجرد أننا نحتج ونسعى للتغيير هذا نتيجة للتطور .
واقع وتغيير
وعلى كل حال توقع البعض ان الازمة التي تشهدها البلاد لا تكمن فقط في الوثيقة الدستورية، بل في الاداء السياسي والتنفيذي الذي يقوده مجلس الوزراء والذي يعود لعدم وجود قيادة قوية تتصدى للعمل التنفيذي، بجانب عدم التنسيق بين الحاضنة السياسية ومجلس الوزراء بقيادة رئيس الوزراء والخلافات داخل الحاضنة السياسية نفسها، بجانب الازمة الاقتصادية التي تعتبر المهدد الأكبر للفترة الانتقالية بحسب ما يرى الخبراء الاقتصاديون

صحيفة الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 + أربعة عشر =