الخرطوم : عين السودان

وصلنا المدينة النبوية في 20 صفر 1410 الموافق 18 سبتمبر 1989.
مع رفقة طيبة من الطلاب المقبولين في ذلك العام وقد كانوا في أشد الفرح بتحقق أمنيتهم الغالية بالقبول في هذه الجامعة المباركة التي يتمنى الملايين من أبناء المسلمين القبول بها .. ورغم صغر السن واستقبال فترة ابتعاد عن الأهل لكن تلك الفرحة الكبيرة غلبت على أمر فراق الأهل.

وكان من رفقائي في تلك الرحلة بل في كل خطوات الإجراءات بالسودان قبل السفر الأخ الصديق الخلوق الشيخ الدكتور : الزاكي مراد الدخري عضو هيئة التدريس بجامعة النهود والذي توفي قبل فترة قريبة بحادث سير وهو في طريقه عائداً إلى النهود من الأبيض.. رحمه الله تعالى وغفر الله له.

وكان في استقبالنا في الفترة الأولى ثلة طيبة من الإخوة الطلاب السودانيين بالجامعة الإسلامية من أبرزهم الشيخ الفاضل سليمان حسب الباقي.

وهو من أبناء مدينة كسلا – حي السواقي .. تلك المدينة التي كان للشيخ العلامة محمد الحسن عبد القادر رحمه الله الأثر الكبير لانتشار الدعوة السلفية فيها، ولذا كان كثير من أبنائها قد التحقوا بالجامعة الإسلامية وجامعة أم القرى ومعهد الحرم المكي وغيرها.

والشيخ سليمان حسب الباقي بعد تعرّفنا عليه وجدناه ممن منّ الله تعالى عليهم ببسطة في العلم ووفرة في الرزق والمال ورزق كبير من الخلق الكريم والكرم النبيل.

قد أحسن الاستفادة من الدراسة في الجامعة الإسلامية في معاهدها (المتوسطة والثانوية) قبل الدراسة الجامعية، كما قد أفاد من كلية الحديث الشريف ووجدناه في السنة الثالثة فيها.. كما وقد أفاد في علمه ومنهجه وسمته من علماء المدينة في الجامعة الإسلامية وفي المسجد النبوي الشريف.. وأسعدنا ما رأيناه من تقدير كبير من كبار أهل العلم وطلابه بالمدينة النبوية له.. هكذا وجدناه وهكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحداً.

وقد فتح لنا ببشر وبشاشة وفرح بيته في حرة المدينة الغربية بالعنبرية نبقى فيه فترة أيامنا الأولى الساعات الطوال فطعمنا مما تصنع زوجته أم عبد الله من أحسن وأشهى الطعام وألذه وأحلاه.. ولم يكن عهدنا بذلك الفترة الأولى لقدومنا على المدينة فقط .. بل كان اللقاء يتكرر في داره في فترات متقاربة وفي كثير من الأوقات في نهاية الأسبوع.

أخذنا بسيارته في أيامنا الأولى فعرّفنا على معالم المدينة النبوية وأجاد في الشرح والتعريف فقد أعطاه الله تعالى بياناً موفقاً مشوّقاً مسدداً.

كنا نرى طالباً من ناحية أوراقه الرسمية ومن دراسته بكلية الحديث الشريف.. وفي ذات الوقت نرى عالماً على درجة من التحقق بالعلم الصافي والحكمة والقول السديد والنهج الرشيد عرف ببذل النصيحة بأفضل الأساليب مع همة عالية وحب للعلم وأهله وطلابه .. وفي ذات الوقت ترى رجلاً كريماً جواداً سخياً يبذل من ماله وكأنه من كبار التجار ورجال الأعمال.

ولله الحكمة البالغة..

فقد سافر الشيخ سليمان حسب الباقي إلى السودان لظروف أسرية وبقي في مدينة كسلا أياماً، وكعادته كان يلقى في عطلاته المحاضرات والدروس العلمية التي تحظى باهتمام الدعاة وطلاب العلم بمدينة كسلا حضوراً وتسجيلاً ويتبادلون أشرطتها بعد ذلك.. وفي إحدى المحاضرات تحدث عن الشيعة الروافض وحذر من عقائدهم وضلالهم وانحرافهم بالطريقة العلمية المعهودة.

وكان وقتها حكومة الإنقاذ تغازل الشيعة الروافض ويغازلونها عبر بعض قادتها وبمباركة وإشراف عرابها الترابي .. حتى توجت تلك الجهود المغضبة للرب المعبود بزيارة رفسنجاني للسودان وفتحت المراكز الثقافية واسمها الصحيح التشييعية.. وجاء أمثال صاحب الاسم المستعار أحمد الكاتب الذي شيّع عدداً من السودانيين ممن لم يتعلموا عقيدة أهل السنة والجماعة وكانوا يجهلون كثيراً من المسائل العلمية المهمة فسهلت المهمة على هذا الشخص الذي شيّعهم ثم ترك مذهب التشيع بعد حين!!

وهنا أشير إلى معلومة تخفى على كثير من الناس وهي أن دخول التشييع إلى السودان فإنه قد بدأ في عهد ما يسمى الديمقراطية الثالثة وتحديداً في عام 1987 بمبادرات ومباركة من الصادق المهدي وتم بإشرافه توقيع اتفاقيات مشتركة في جوانب تعليمية وثقافية ووثائق إثبات ذلك لدي نسخ منها.. ثم جاءت حكومة الإنقاذ وفي أول عهدها فتحت الباب على مصراعيه فحصل غرس النبت الرافضي الخبيث في أرض السودان التي يحب أهلها الصحابة والقرابة جميعاً لذلك رفضت أرض السودان النبتة الرافضية الخبيثة.
وفي نهاية المطاف وبعد سنوات طوال من محاولات التشييع بدعم رسمي قال علي كرتي وزير الخارجية وقتها إننا لم نستفيد منهم شيئا وفي المقابل فعلوا في بلادنا ما فعلوا..

كانت تلك الكلمات التي تحدث بها فضيلة الشيخ سليمان حسب الباقي عن الشيعة في محاضرة بمدينة كسلا سبباً في منع جهاز الأمن له من العودة إلى بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية ليكمل دراسته التي لم يبق منها إلا سنة واحدة وبضعة أشهر.

ولم ينفع عندهم في وقتها أي جهد بذل في الحصول على إذن بالسفر ورفع للحظر والمنع الذي تم تنفيذه دون محكمة ولا محاكمة ولا مجادلة ولا مناقشة وإنما انتصاراً لتوجه منحرف تبنته حكومة الإنقاذ في ذلك الوقت.

ولله الأمر من قبل ومن بعد..

لقد حزن في وقتها كل من يعرف الشيخ سليمان على هذه المصيبة التي قابلها الشيخ سليمان بالصبر والاحتساب بعد بذل كل ما تيسر له وما تيسر لغيره من أسباب.
وقد زرته في أول عطلة بعد منعه في كسلا أداء لبعض حقه على.

وبقي دين الشيخ سليمان على كثير من إخوانه وزملائه بما قدم لهم من رعاية وكرم وجهد ووقت.. والشيء من معدنه لا يستغرب.

وقد استقر الشيخ سليمان حسب الباقي وأسرته في حي الشقلة بالحاج يوسف. ومثله ممن نحسبهم والله حسيبهم ممن يجري حب الدعوة السلفية في عروقهم مع دمائهم لا يتوقف عن دعوته في أي وقت وعلى أي ظرف كان.

أسأل الله تعالى أن يوفق الشيخ سليمان حسب الباقي ويسدده ويبارك في أهله وذريته.
وإن لم ييسر الله تعالى لنا لقاءات متقاربة فإن الدعاء يتيسر في أي وقت.. والوفاء بالجميل من الأخلاق الكريمة ولهذا الشيخ الفاضل أياد بيضاء وجميل عزيز لم ولن أنساه ما حييت.. جزاه الله عنا خير الجزاء..
ونلتقي مع ذكرى أخرى بمشيئة الله تعالى.

10 شوال 1441

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 2 =