الخرطوم وأديس أبابا..توترات تنذر بمواجهات

الخرطوم : عين السودان

دخل السودان وإثيوبيا في مشاورات مشتركة لحل الأزمة التي نشبت على حدود الدولتين، نتجت عن تبادل لإطلاق النار بين الجيشين راح ضحيته ضابط سوداني وعدد من الجرحى، وطالبت أديس أبابا بإجراء تحقيق مشترك وحل دبلوماسي للتوتر الحدودي، فيما أعلن السودان تمسكه بحقه في أراضيه، ودعا إلى تسريع ترسيم علامات الحدود وحل دبلوماسي للأزمة.

ردود فعل

وفي أول رد فعل للحكومة الانتقالية السودانية، أكد مكتب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك سعي بلاده لإيجاد حلول دبلوماسية وسلمية للنزاعات، وأن الحرب ليست في صالح الجميع، وشدد على حقه في الاحتفاظ بحق السودان في السيادة على أراضيه.

وقال المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء فايز السليك، إن السودان يسعى للحلول السلمية والدبلوماسية، ويرى أن الحرب ليست في مصلحة الجميع، دون أن يفرط بحقه في السيادة على أراضيه والمحافظة على حدوده. وأوضح السليك أن الحكومة السودانية، تتمسك بتسريع وضع العلامات الحدودية على حدود الدولتين المتفق عليها، وتسريع عمل اللجان الفنية المشتركة بجانبيها العسكري والمدني لإنجاز وضع هذه العلامات. وقال السليك: «هناك تواصل سياسي وعسكري، على مستوى رئيسي الوزراء، وعلى مستوى رؤساء المخابرات في البلدين»، وأضاف: «التصعيد غير مرغوب، ونحن لم نبادر بالعدوان، وجاء تحركنا رداً على هجوم نفذه الجيش الإثيوبي ضد قواتنا، ومن حقها الرد والدفاع عن نفسها وعن حدود وأراضي البلاد التي تحتلها القوات الإثيوبية». وشدد السليك على وضع حل نهائي للتوتر في المنطقة الحدودية، وقال: «يجب الوصول لحل هذه المشكلة المتكررة عند كل موسم زراعي، لأن السودان بحاجة لأي كيلومتر من أراضيه».

في المقابل قالت وزارة الخارجية الإثيوبية انه لا يوجد سبب لدخول البلدين في حالة من العداء، معربة عن تعاطفها وتعازيها لأسر ضحايا الحادث الحدودي مع السودان.

وحثت الخارجية الإثيوبية في بيان صحفي البلدين على العمل سوياً من خلال الآليات العسكرية الموجودة للتحقيق في ملابسات الحادث.

طبيعة النزاع
إثيوبيا رسميا تعترف باتفاقية الحدود لعام 1902م، أي اتفاقية (هارنقتون – مينليك) وكذلك تعترف ببروتوكول الحدود لسنة 1903م ، واتفاقية عام 1972م مع حكومة السودان بأن منطقة الفشقة أرض سودانية. لكن على أرض الواقع يبدو الأمر ليس كذلك، فجزء من نخب قومية الامهرا الاثيوبية لا يعترف بتقسيم الحدود ويسعى للاستفادة منها مسنودا بعصابات (ولغاييت) التي تسمى بالأمهرية شفتا، وتشير بعض التوقعات لوجود أكثر من 1700 مزارع إثيوبي يزرعون داخل الأراضي السودانية منذ سنوات، الا ان اللافت هذه المرة هو اتهام الجيش السوداني عبر متحدثه الرسمي عامر محمد الحسن الجيش الإثيوبي بمساندة الهجوم الذي شنته مليشيات الشفتة على الأراضي السودانية، وهدد الحسن لاحقاً بإمكانية شن حرب شاملة إذا لم تنجح المساعي الدبلوماسية لحل الأزمة الحدودية.

الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء د.امين اسماعيل مجذوب يقول إن التوتر في منطقة الفشقة ليس بجديد إلا أن اسناد الجيش الاثيوبي لاعتداءات المليشيات يمثل تطورا لافتا تعدى كل الخطوط الحمراء خاصة بعد الهجوم على معسكر للجيش السوداني على بعد 20 كلم داخل عمق الاراضي السودانية.
تطورات الأوضاع داخل اثيوبيا معقدة، فبقدر ما حققت تجربة الحكم الفيدرالي هناك نجاحاً في حل مشكلة التنوع العرقي الكبير بتقسيم البلاد إلى 9 أقاليم تتمتع بالحكم الذاتي حلاً لمشكلات الهوية واللغة وتقسيم السلطة، فإنها أفرزت كذلك عن تعدد الأجهزة العسكرية والأمنية فكل إقليم لديه قوات جيش وشرطة وأمن داخلي خاصة به وهذا ما أدى إلى وقوع أحداث الأسبوع الماضي على الحدود السودانية الإثيوبية.

الصحفي المهتم بقضايا القرن الافريقي عبدالمنعم ابوادريس يقول إن الجيش اﻹثيوبي الحالي تكون من بقايا حركات مسلحة ذات طبيعة اثنية، مما يجعل احساسهم بالارتباط المناطقي أكثر من علاقتهم بالدولة المركزية، ويضيف ابوادريس:”كل اقليم في اثيوبيا لديه قوات امنية مستقلة بجانب المليشيات المعترف بها والتي تقوم بأدوار امنية مساندة”.

ويواصل ابو ادريس حديثه ويقول “من هنا علينا فحص المزارعين الذين يزرعون أرض الفشقه منذ 1997 بصورة دائمة و بصورة متقطعة منذ 1963 هم رجال أعمال ينتمون للامهرا ولديهم تأثير اقتصادي وسياسي واجتماعي في الإقليم والزراعة في الفشقة أصبحت تدر عليهم عوائد ضخمة”.

سر التوتر
الصحفي المختص بالشان الاثيوبي محمد حامد جمعة يقول إن اثيوبيا استراتيجيا لا تنظر للسودان باعتباره عدوا او مهددا مدللا على حديثه بالاشارة الى انتشار الجيش الأثيوبي في العام 2018 عبر ثلاث جبهات استراتيجية هي منطقة بني شنقول لاعتبارات سد النهضة، والثانية حدود الصومال في إطار دور إثيوبيا في الحرب على الإرهاب وتعقيدات الصومال ووجود حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية إضافة لوجود بعض المتشددين الإسلاميين في إقليم صوماليا اﻹثيوبي، والجبهة الثالثة الحدود مع ارتريا رغما عن تطبيع العلاقة مع اسمرا.

ويقول جمعة إن الحدود السودانية الاثيوبية التي تمتد ﻵلاف الكيلومترات من مثلث الحدود السودانية الاثيوبية الارترية وصولا لآخر نقطة عند جنوب السودان القديم وتحديدا الى نهر البيبور وأكوبو ثم ميليلي لا تشهد نزاعا حدوديا بين البلدين الا في منطقة مثلث الفشقة مما يؤكد ان اثيوبيا كدولة ليس لديها رغبة رسمية في اي مواجهة مع السودان.جمعة يشرح طبيعة النزاع المتجدد في منطقة الفشقة ويقول انها متاخمة لغرب أثيوبيا وجزء من شمالها الغربي وتشهد تقاطعات داخلية وانفجارا سكانيا وشح موارد ونزاعات إدارية داخلية جعلت الإنفتاح على السودان الخيار الوحيد خاصة من جانب الامهرا الذين يخوضون نزاعات ضد التقراي والاورومو وصراع داخلي بين قومية الامهرا نفسها.

تأمين الحدود
المصالح المشتركة بين البلدين كبيرة، الا أن اعتداءات المليشيات الاثيوبية المتكررة وعمليات تهريب السلاح تشكل التهديد الاكبر مما يستلزم وضع ترتيبات عسكرية وامنية وتنموية لنزع فتيل التوترات.
الصحفي المختص بالشان الاثيوبي محمد حامد جمعة يقول إن السودان بحاجة لتطوير استراتجية لتأمين الحدود عبر تنمية حقيقية تدعم الاقتصاد القومي وتعزز الامن القومي عبر الانفتاح سكانيا وعسكريا إلى آخر نقطة على الحدود السودانية.

وليس بعيدا عن هذا يمضي الخبير العسكري اللواء إسماعيل مجذوب ويلفت الى اهمية حسم مسألة الحدود في المقام الاول وفي المقام الثاني محاولة انشاء مشاريع استراتيجية للتعاون المشترك توفر الامن الغذائي لاثيوبيا عبر تدخل من حكومات البلدين واستراتيجية اشمل للتعاون، مشيرا الى أن التوترات الحالية

لن تؤدي لحرب شاملة خاصة ان الدولتين ليس من مصلحتهما اقامة حرب او نزاع منتظم لاعتبارات استراتيجية تتعلق بسد النهضة واتفاقية 1902 التي تشترط عدم اقامة اثيوبيا اي مشروعات إلا بموافقة السودان، فضلا عن الاوضاع الاقتصادية للبلدين.

على كل يمكن القول إن التوترات الحالية لن تصل لمرحلة المواجهة الشاملة لاعتبارات تتعلق بمصالح البلدين الا أن عدم وضع حد لها ينذر بتكرار المواجهات، وهو ما يتطلب تنسيقا مشتركا بين البلدين وانتشار الجيش السوداني على كامل الحدود مع اثيوبيا واقامة قرى دفاعية يتم فيها توفير كل الخدمات الضرورية، فيما يتم تعزيز القوات المشتركة بين البلدين لمحاربة عصابات الشفتة ومظاهر تهريب السلاح وكل الممارسات الخارجة على القانون بجانب وضع استراتيجيات للتعاون لتعزيز المنطقة الحدودية بما يحقق تكاملا اقتصاديا وتنمويا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر − 14 =