الخرطوم : عين السودان

فليبارك الله في (القراية أم دق) التي حملتنا للخرطوم للدراسة الجامعية فالخرطوم كانت في مخليتنا كرة قدم ومسرحا وغناء وحكومات تجي وحكومات تفوت، فمبجرد ان وضعنا رأسنا على (مخدات البركس) كان لابد من البحث عن الهلال والمريخ والفاضل سعيد ومكي سنادة وتحية زروق وابراهيم عوض ومحمد وردي وزيدان

ابراهيم، فوحدت كفاحي مع ابن قريتي وصديق عمري ورفيقي دربي في المراحل الدراسية الصديق محمد احمد مضوي (الدكتور الآن بجامعة المغتربين) وهاك يا حوامة في ليالي الخرطوم ويومها كانت الخرطوم بالليل يتغنى بها ويغنى لها.

فكانت استادات الكرة مقصدنا الترفيهي الأول ولما كنا على طرفي نقيض فالصديق كان مريخيا وكنت هلاليا كان لابد من ارتياد العرضة شمال وجنوب حتى عندما ندخل مباراة هلال/ مريخ كنا نجلس معاً في مسطبة واحدة وباتفاق فرضه الواقع ينص على أنه اذا جلسنا في المسطبة الشمالية كان عليه ان يضبط انفعالاته ويحدث لي نفس الشيء اذا جلسنا في المسطبة الجنوبية وبهذه المناسبة يرجع لنا الفضل بعد الله في أننا أدخلنا الراحل المقيم والناقد الرياضي الفذ والإنسان الخلوق الأستاذ عبد

المجيد عبد الرازق أول مباراة هلال / مريخ في حياته، وصادف ان كنا في

المسطبة الشمالية فأرهقنا (مجيدو ) رهقا شديدا وقدمنا سلامته على متابعة الكرة

وهذه قصة أخرى.

(2 )

كان من نجوم الهلال يومها علي قاقرين والدحيش وفوزي المرضي وأولاد

الكوري وقد شهدنا أخريات أيام جكسا وأمين زكي وبواكير محمد حسين كسلا

والنقر، أما المريخ فكان فيه الثلاثي الخطير كمال عبد الوهاب والفاضل سانتو ومعتصم حموري وفي الوسط بشرى وبشارة والحارس الأسطورة حامد بريمة.

سامي عز الدين والطاهر هواري كانا يا دوبك، إصرارنا على التلازم صديق وانا فرض على كل واحد منا متابعة نجوم الفريق الآخر في المباريات وفي التمارين أصدقكم القول لم يكن هناك نجم من نجوم المريخ يرعبني مثل كمال عبد الوهاب.

فهذا الكمال كان يطوع الكرة كأنها (بلية) في يده يشرق و يغرب بها كما يشاء يمررها لزميله وأحيانا يمررها لنفسه يهديها لخصمه وهو يضحك خاصة في التمارين ويبدو لك كأنه يلعب ليمتع نفسه حتى في مباريات هلال / مريخ تجده ما لم يستفز هادئا يوزع في الباصات بمزاجه ولكنها كانت باصات قاتلة خاصة عندما تكون لسانتو او حموري أما مباغته للمرمى فهدفها مليون المية فهو صانع العاب

وصانع أهداف. بالطبع لم أكن سعيدا في يوم من الأيام بتابلوهات كمال عبد الوهاب فكانت تمزق أعصابي وتستفزني خاصة مع صيحات الصديق في أذني وما زلت أذكر هدفا له (باكورد) في شباك الهلال كاد يخرجني من الملعب ومن الملة.

(3)

بعد الجامعة كان الاغتراب والعمل والاندماج في مشاغل الدنيا ومصائبها فانقطعنا عن دور الرياضة فأصبحنا على أكثر تقدير رياضيين (من منازلهم) لكن ما أن سمعت نبأ رحيل اللاعب كمال عبد الوهاب في الأيام الفائتة إلا وأخرجت ذاكرتي كل حمولاتها الرياضية وخرجت تلك الأيام النضرات من تلافيف الذاكرة فعشتها كما كانت فتذكرت أحداثا ووقائع لم تخطر على بالي منذ يومها وأشهد الله انسكبت

الدموع من عيني مدرارة على كمال كأنه مسجى أمامي في تلك اللحظة، ولكم تمنيت لو كنت من مشيعييه كي ألقي نظرة أخيرة عليه رغم أنني لم اقترب منه في يوم من الأيام ولم أشاهده إلا داخل الملعب، لقد شعرت بفراق صديق عزيز وعادت إلى ذاكرتي كل تابلوهاته حتى هدفه (الباكورد) في مرمى الهلال جاءني بكل تفاصيله ذلك الهدف كرهني الدنيا رجع وكأنه هدية سماوية هدف أبكاني ساعة حدوثة وهو يرجع الآن ليهبط بردا وسلاما على نفسي، سبحان الله يالهذه النفس الإنسانية من تعقيدات كمال عبد الوهاب الذي كان يرعبني عاد الآن صديقا عزيزا يطربني بفنونه

التي استرجعتها كلها . وكم كان شاعرنا الكبير الفيتوري صادقا عندما قال (الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء) وما أغناك يا إبرهيم عوض وأنت تقول (دا اليوم البمر وين نلقاه تاني ) .رحمك الله يا كمال عبد الوهاب ووسدك الباردة وأدخلك الجنة وجعل البركة في ذريتك وألهم أهلك ومحبيك وأنا منهم الصبر الجميل والسلوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 5 =