عارف الركابي : من إرشيف عمود [الحق الواضح] رد على الكاتب الطاهر ساتي

الخرطوم : عين السودان

(أحَشَفَاً وسوء كِيْلَة ؟!!) (2/2)
البروفيسور عارف عوض الركابي

وقفت على مقال نشر بهذه الصحيفة للأخ الكاتب الطاهر ساتي بعنوان (هيئة هدم الوعي) موضوعه : إنكار زواج الفتيات دون سن الثامنة عشرة !! وتمنيت أن لو كانت لغة الكاتب (هادئة) في طرح الموضوع ومناقشته !! فإنه قد جمع بين (الأخطاء العلمية) و (العنف اللفظي) و (التشنّج) !! فاستحق أن يوصف – بجدارة – ما أتى به في مقاله المذكور بالمثل المشهور: (أحشفاً وسوء كَيْلَة ؟!!).

وإن من المصائب الكبيرة أن يكون طرح الأخ الكاتب بهذه الطريقة (المندفعة) (المتهوّرة) وهو يتناول موضوعاً شرعياً ، يجب أن يناقش بهدوء ويؤتى فيه بالأدلة الشرعية من الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة ، ولكن الأخ الكاتب جاء في مقاله بأخطاء علمية وتأريخية كبيرة ، محتكماً إلى قوانين للأمم المتحدّة وما يسميه بالمواثيق الدولية التي تناقض – بجلاء محكم الكتاب العزيز والسنة الغرّاء .

إن الكاتب الطّاهر ساتي اعتبر زواج الفتاة دون الثامنة عشرة ((جريمة)) !! بل سمّاه ((اغتصاباً)) ، قال – هداه الله – : (وعليه، فالأخطر – في قضية زواج القاصرات – هو استغلال الدين وتوظيفه لصالح هذه الجريمة) وقال : (ودين الله الحنيف لا يبيح اغتصاب القاصرات تحت مسمى “زواج الصغيرات”) .

أقول : : لقد دخل رجلٌ على ربيعة بن عبد الرحمن التابعي الجليل وأحد شيوخ الإمام مالك فوجده يبكي فقال له : ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه ، فقال له : أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له ، وظهر في الإسلام أمر عظيم.. ثم قال ربيعة في شأن الجهال حين يتزعمون الناس ، ويخرجونهم بفتاواهم عن الحق ..قال: (ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق) أورده ابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله”.

ما أخطر الكلام في الدين والتحليل والتحريم لمن لم يكن لذلك أهلاً ، ألا فليتقِ الله الكاتب ابن ساتي وكل من نحا نحوه في التصدّر للكلام في مسائل شرعية لم يحيطوا بعلمها ، ولم يقفوا على أدلتها ، فليتقوا الله في أنفسهم قبل كل أحد ، فإن القول على الله بغير علم هو جريمة (نكراء) من (الموبقات) العظيمة ..

وليس القانون الذي يوجد في بلاد الكفّار والذي يعتبر سن (الطفولة) تمتد حتى سن الثامنة عشرة مما يجوز قبوله بين المسلمين وهم يعيشون بينهم – فضلاً عن المسلمين الذين يعيشون في بلاد الإسلام – ولمّا كان هذا المفهوم (اعتبار سن الطفولة تستمر حتى سن الثامنة عشرة) يخالف النصوص الشرعية أبيّن في ما يلي حكم الشرع المطهر الذي أنزله الله عز وجل ، وبلغه خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام فإنه يعتبر أن الطفولة تنتهي مرحلتها بالبلوغ ، وإن أحكام ما بعد البلوغ تختلف عن أحكام ما قبل البلوغ .. ولذلك فإن من بلغ الحُلم لا يوصف بأنه يتيم بعد ذلك ، ويرتفع عنه (اليتم) ، عن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال : حفظت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – « لا يتم بعد احتلام».رواه أبو داود وغيره.

وقد قال الله تعالى : (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59).
وقد ربط الله تعالى في الآية بين بلوغ الحلم وبين من سبقوهم قبل ذلك ، وأمر استئذان الأطفال بعد بلوغ الحلم كما يستأذن الذين بلغوا هذه المرتبة من قبلهم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
قال نافع فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدثته هذا الحديث فقال إن هذا لحد بين الصغير والكبير وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة. رواه البخاري وغيره.
فجعل عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – سن الخامسة عشرة حدّاً بين الصغير والكبير ، وهي السن التي يحصل فيها البلوغ غالباً ..
عن عطية القرظي قال : كنت فيمن حكم فيهم سعد بن معاذ فشكوا في أمن الذرية أنا أم من المقاتلة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أنظروا فإن كان أنبت الشعر فاقتلوه وإلا فلا تقتلوه ).
وعنه قال كنت من سبى بنى قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكنت فيمن لم ينبت. رواه أبو داود وغيره.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه في الجزية حين بعثه إلى اليمن: (خُذْ من كل حالم دينارا).رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وغيرها من النصوص التي بيّنت اعتبار الشرع للبلوغ في الذكور والإناث للتفريق بين الطفولة وغيرها.

وقد علّق في التشريع الإسلامي أحكام كثيرة على البلوغ وجاء التفريق بين الصغار والكبار بالبلوغ ، وإن تبديل ذلك بقانون الكفار يترتّب عليه (الخلل الكبير) و (الفساد العريض)..
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد ألا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي .. أي أنبت الشعر وهو أحد علامات البلوغ. رواه البيهقي وغيره
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : (أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والحيض في النساء هو البلوغ الذى تلزم به العبادات والحدود والاستئذان وغيره ، وأن من بلغ الحلم فأونس منه الرشد جازت شهادته ولزمته الفرائض وأحكام الشريعة ؛ لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ) فعلق الغسل بالاحتلام . وببلوغ الحلم وإيناس الرشد يجوز دفع ماله إليه ؛ لقوله : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم ) ، وبلوع النكاح هو الاحتلام).

وقال العيني في عمدة القارئ : (ومما يستفاد منه أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم الغنيمة ويقتل إن كان حربيا وغير ذلك من الأحكام.

من بلغ هذا السن عاقلاً يكون مكلفاً مسؤولاً عن كل ما يصدر منه من أقوال وأفعال، والحِكْمَةُ في ذلك، ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر فقال:

(والحكمة في تعليق التكليف بخمس عشرة سنة : أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة والتوقان، وتتسع معها الشهوات في الأكل والتبسط ودواعي ذلك، ويدعوه إلى ارتكاب ما لا ينبغي، ولا يحجزه عن ذلك ويرد النفس عن جماحها إلا رابطة التقوى وتشديد المواثيق عليه والوعيد ، وكان ذلك قد كمل عقله واشتد أسره وقوته ، فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه ، لقوة الدواعي الشهوانية ، والصوارف العقلية، واحتمال القوة للعقوبات على المخالفة).

هذا ما ثبت في الشريعة الإسلامية وبيّن وفصّل في الفقه الإسلامي من تحديد سن الطفولة وهو ما يجب العمل به في بلادنا ومراجعة قانون الطفل بحسب ما ورد في الشرع وليس وفق ما يسير عليه الحال في بلاد الكفّار ، وإن الحق لا يصادم بأقوال الرجال ولا يضرب بها ، وكلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم .. ونحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله …

أقول مرة أخرى : ليتك يا أخ الطاهر تكُف عن الدخول في هذه المسائل ، الزم غرزك ، واكتب فيما تحسن ، وكما قيل : لو سكت من لا يعلم لقلَّ الخلاف !! ومن تكلّم في غير فنه أتى بالعجائب !! وبحسب لهجتك ونفسيّتك : (ومن تكلم في غير فنّه أتى بالبلاوي والمصائب) !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + 16 =